وفي القرن السابع سار التتر، وقتلوا الخليفة العباسي ببغداد، وقتلوا العلماء، وألقوا الكتب من الحديث والسنة في شط دجلة. وتحصن أهل الشام عنهم في رؤوس الجبال، فقاتلهم سلطان مصر، ومن معه من أهل مصر والشام، فهزمهم الله؛ وذلك بسبب شيخ الإسلام ابن تيمية لما شجع السلطان.
وفي تلك القرون اشتدت غربة الإسلام، وعاد المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير
قال بعض أهل السنة: “لا تستوحش من الطريق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين”.
وفي هذه الحال يقول الشاطبي -رحمه الله-:
وهذا زمان الصبر من لك بالتي … كقبض على جمر فتنجو من البلا
غربة الإسلام في هذه الأزمنة
وذلك أن هذه الأزمنة هي التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإسلام يعود غريبا كما بدأ، وأن القابض على دينه كالقابض على الجمر .
قال ابن القيم: والحديث رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال:النزاع من القبائل”
وفي حديث عبد الله بن عمرو: “قيل يا رسول الله، من الغرباء؟ قال: ناس صالحون في أناس كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم”،.
قال العلامة ابن القيم: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم أنهم النزاع من القبائل: أن الله سبحانه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الأرض على أديان مختلفة، فهم بين عباد أوثان وعباد نيران وعباد صلبان ويهود وصابئة وفلاسفة، فكان الإسلام في أول ظهوره غريبا، فكان من أسلم منهم واستجاب لله ورسوله غريبا في حيه وقبيلته وقريته وأهله وعشيرته.
وكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعا من القبائل، آحادا منهم، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم، فكانوا هم الغرباء حقا، حتى ظهر الإسلام، وانتشرت دعوته، ودخل الناس فيه أفواجا، ثم أخذ في الاغتراب حتى عاد غريبا كما بدأ؛ بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اليوم أشد منه غربة في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا، وأهله غرباء بين الناس.
[ رسائل وفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب ]
وانظر: