وقد قالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، معناه كانت عاقبته أن صار لله، وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية، ورياضة نفسه بالآداب والدقائق الخفية، وتعوده الصيانة في جميع أموره الكامنة والجلية.
فأول ذلك أن يحرضه بأقواله وأحواله المتكررات، على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات، وأن يكون دائما على ذلك حتى الممات [ المجموع شرح المهذب ]
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
وما ذكر عن بعض العلماء من قولهم: ( طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ) فمرادهم أنهم في أول طلبهم لم يستحضروا نية كونه لله عزّ وجل ثم فتح الله عليهم ولا يظهر أنهم أرادوا أنهم طلبوا العلم رياءً، لأن هذا بعيد لا سيما في الصدر الأول [ شرح الأربعين النووية ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
والمقصود هنا أن محبة هذه الأمور الحسنة ليس مذمومًا بل محمودًا، ومن فعل هذه الأمور لأجل هذه المحبة لم يكن مذمومًا ولا معاقبًا، ولا يُقال إن هذا عمله لغير الله، فيكون بمنزلة المرائي والمشرك، فذاك هو الشرك المذموم. وأما من فعلها لمجرد المحبة الفطرية فليس بمشرك ولا هو أيضًا متقربًا بها إلى الله، حتى يستحق عليها ثواب من عمل لله وعبده، بل قد يثيبه عليها بأنواع من الثواب: إما بزيادة فيها في أمثالها، فيتنعَّم بذلك في الدنيا، ولهذا كان الكافر يُجزى على حسناته في الدنيا وإن لم يتقرب بها إلى الله، ولو كان فِعْل كل حَسَنٍ إذا لم يُفعل لله مذمومًا يستحق به صاحبه العقاب لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا إذا كانت تكون سيئاتٍ لا حسنات، وإذا كان قد يتنعّم بها في الدنيا ويُطعم بها في الدنيا، فقد يكون من فوائد هذه الحسنات ونتيجتها وثوابها في الدنيا أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه، فيكون له عليها أعظم الثواب في الآخرة.
وهذا معنى قول بعض السلف : طلبنا العلم لغير الله فأبي أن يكون إلا لله. وقول الآخر لما قيل له: إنهم يطلبون الحديث بغير نيَّة، فقال: طلبهم له نيَّة، يعنى نفس طلبه حسن ينفعهم. وهذا قيل في العلم لخصوصيته، لأن العلم هو الدليل المرشد، فإذا طلبه بالمحبة وحصَّله عرَّفه الإخلاصَ لله والعملَ له.
[ جامع المسائل لابن تيمية ]