الشيخ د. محمد بن غالب العمري وفقه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
فإن من المسائل المتعلقة بالعيد ما يتعلق بموضوع التهنئة
المسألة الأولى: مشروعية التهنئة بالعيد:
لم يرد في أمر التهنئة حديث مرفوع حسب ما ذكر أهل العلم. ولكن وردت الآثار عن الصحابة و من بعدهم في ذلك. ذکر جملة من ذلك السيوطي في “وصول الأماني”. فمن ذلك:
- مارواه الطبراني عن عمر الأنصاري قال: لقيت وائلة رضي الله عنه يوم عيد ، فقلت : تقبل الله منا ومنك، فقال : تقبل الله منا ومنك.
- وعند الأصبهاني عن صفوان بن عمرو السكسكي قال: سمعت عبد الله بن بشر، وعبد الرحمن بن عائذ ، وجبير بن نفير، وخالد بن معدان يقال لهم في أيام الأعياد : تقبل الله منا ومنكم ، ويقولون ذلك لغيرهم.
- وأخرج الطبراني والبيهقي عن راشد بن سعد أن أبا أمامة ، وواثلة لقياه في يوم عيد فقالا : تقبل الله منا ومنك .
- وأخرج أبو أحمد الفرضي في مشيخته بسند حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم.
- وأخرج البيهقي من طريق أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيد : تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنین فيرد علينا مثله ولا ينكر ذلك.
- ومما ورد عن بعض التابعين في ذلك أنه سئل مالك رحمه الله: أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لايكره.
- وأخرج ابن حبان في الثقات عن علي بن ثابت قال سألت مالكا عن قول الناس في العيد : تقبل الله منا منك ، فقال : مازال الأمر عندنا كذلك . اهـ
- وذكر ابن قدامة في المغني: قال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة ، وقال : لم يزل يعرف هذا بالمدينة.
- ومما ورد عن الإمام أحمد في ذلك ما ذكره أبو داود قال: سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم يوم العيد : تقبل الله منا ومنكم ، قال أرجو أن لا يكون به بأس . اهـ سؤالاته.
- وفي الفروع لابن مفلح قال : ولا بأس قوله لغيره: تقبل الله منا منكم ، نقله الجماعة کالجواب، وقال: لا أبتدئ بها، وعنه : الكل حسن، وعنه : یکرہ، وقيل له في رواية حنبل : ترى له أن يبتدئ ؟ قال : لا ونقل علي بن سعيد: ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة،
وفي النصحية: أنه فعل الصحابه ، وأنه قول العلماء”. اهـ
المسألة الثانية: وقت التهنئة:
الوارد في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم حين يلتقون يوم العيد يهنئ بعضهم البعض.
كما تقدم معنا عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم فدل هذا أن فعل الصحابة رضي الله عنهم في ذلك كان يوم العيد.
فهل يجوز التهنئة بالعيد في ليلته ؟
الظاهر عدم المنع من ذلك لوجوہ:
- الأول: عدم الدليل على تحديد وقت التهنئة بحديث مرفوع؛ بل غاية ما ورد في ذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم. قال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله: التهنئة لا أعلم شيئا ورد فيها، ولا بأس أن يهنئ بعضهم بعضا بما حصل لهم من الخير، ولا يبلغ إلى حد البدعة، وليس هناك توقيت أو تحديد.
- الثاني: أن العلماء اعتبروا هذا من باب العادات فلا تثريب على من قدم ذلك من باب الفرح بما هو من عادة الناس.
قال العلامة العثيمين رحمه الله : التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعلى فرض أنها لم تقع فإنها الآن من الأمور العادية التي اعتادها الناس ، يهنىء بعضهم بعضا ببلوغ العيد واستكمال الصوم والقيام.
- الثالث: رجح بعض الفقهاء جواز ذلك.
قال الشرواني الشافعي رحمه الله: وقت التهنئة يدخل بالفجر لا بليلة العيد خلافا، لما في بعض الهوامش، وقد يقال: لا مانع منه أيضا إذا جرت العادة بذلك؛ لما ذكره من أن المقصود منه التودد وإظهار السرور، ويؤيده ندب التكبير في ليلة العيد انتهى من “حواشي الشرواني على التحفة.
وهو اختيار شيخنا عبيد الجابري حفظه الله،حيث أفتى بعدم الانكار في ذلك.
وهو ما قد يفهم من فتوى الشيخ الوادعي – رحمه الله – السابقة.
- الرابع: يجوز التهنئة بعد يوم العيد مع أن الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم التهنئة يوم العيد فدل على جواز التهنئة في ليلته والله أعلم.
قال العلامة ابن باز رحمه الله : لا حرج أن يقول المسلم لأخيه في يوم العيد أو غيره تقبل الله منا ومنك أعمالنا الصالحة، ولا أعلم في هذا شيئا منصوصا.
وبلا شك أن إيقاع التهنئة يوم العيد هو الأوفق لفعل الصحابة رضي الله عنهم.
كتبه : محمد بن غالب العمري
ليلة العاشر من ذو الحجة لعام ١٤٣٠ هـ