قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله أفلا أعتقها
قال -صلى الله عليه وسلم-: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله قالت: في السماء قال: من أنا قالت: أنت رسول الله قال: أعتقها فإنها مؤمنة (رواه الإمام مسلم في صحيحه)
سئل فضيلة الشيخ الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله:
السؤال:
رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد المستمعين بدأها بقوله: نحمد الله على أن من علينا ببرنامج (نور على الدرب) ونشكر علماءنا الأفاضل، وندعو لهم بالتوفيق والسداد في تبصير الأمة المسلمة بأمور دينها ودنياها، نرجو أن يجيب على هذه الأسئلة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مقدم الأسئلة: أبو مؤمن خلف الله علي مصري يعمل باليمن.
أخونا يسأل في سؤاله الأول ويقول: سألني أخ مسلم: أين الله؟ فقلت له: في السماء، فقال لي: فما رأيك في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] وذكر آيات كثيرة، ثم قال: لو زعمنا أن الله في السماء؛ لحددنا جهة معينة، فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل هذه الأسئلة من الأمور التي نهينا عن السؤال عنها؟
الجواب:
قد أصبت في جوابك، وهذا الجواب الذي أجبت به هو الجواب الذي أجاب به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالله -جل وعلا- في السماء، في العلو كما قال : أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17] وقال -جل وعلا-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقال سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].
فهو فوق العرش في جهة العلو، فوق جميع الخلق، عند جميع أهل العلم من أهل السنة، قد أجمع أهل السنة والجماعة -رحمة الله عليهم- على أن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق ، وهذا هو المنقول عن رسول الله ﷺ وعن أصحابه وعن أتباعهم بإحسان، كما أنه موجود في كتاب الله القرآن.
وقد سأل النبي ﷺ جارية جاء بها سيدها ليعتقها، فقال لها الرسول ﷺ: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة رواه مسلم في الصحيح، فالرسول ﷺ أقر هذه الجارية على الجواب، الذي قلته أنت، قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن الله في السماء يدل على إخلاصها لله، وتوحيدها لله، وأنها مؤمنة به سبحانه، وبعلوه فوق جميع خلقه، وبرسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- حيث قالت: أنت رسول الله.
أما قوله -جل وعلا-: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] هذا لا ينافي ذلك، الكرسي فوق السماوات، والعرش فوق الكرسي، والله فوق العرش، فوق جميع الخلق وتحديد الجهة لا مانع منه جهة العلو، بأن الله في العلو.
وإنما يشبه بهذا بعض المتكلمين وبعض المبتدعة، ويقولون: ليس في جهة، وهذا كلام فيه تفصيل، فإن أرادوا: ليس في جهة مخلوقة، وأنه ليس في داخل السماوات، وليس في داخل الأرض، ونحو هذا صحيح، أما إن أرادوا أنه ليس في العلو، هذا باطل، وهذا خلاف ما دل عليه كتاب الله، وما دلت عليه سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وما دل عليه إجماع سلف الأمة.
فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء فوق العرش، فوق جميع الخلق، والجهة التي هو فيها جهة العلو، وهي ما فوق جميع الخلق، وهذه الأسئلة ليست بدعة، ولم ننه عنها، بل هذه الأسئلة مأمور بها نعلمها الناس، كما سأل عنها النبي ﷺ قال: أين الله وسأله أبو رزين قال: أين ربنا؟ فأخبره أنه في العلو ، فالله في العلو في جهة العلو فوق السماوات، فوق العرش، فوق جميع الخلق، وليس في الأرض، ولا في داخل الأرض، ولا في داخل السماوات.
ومن قال: إن الله في الأرض، وأن الله في كل مكان كـالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة؛ لأنه مكذب لله ولرسوله في إخبارهما بأنه سبحانه في السماء فوق العرش -جل وعلا-، فلا بد من الإيمان بأن الله فوق العرش، فوق جميع الخلق، وأنه في السماء، يعني: في العلو، معنى السماء يعني: العلو، فالسماء يطلق على معنيين:
أحدهما: السماوات المبنية، يقال لها: سماء.
والثاني: العلو، يقال له: سماء، فالله سبحانه في العلو، في جهة العلو فوق جميع الخلق، وإذا أريد: السماء المبينة المعنى هو: عليها، في يعني: على، في السماء يعني: على السماء وفوقها، كما قال الله سبحانه: فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ [آل عمران:137] سيروا في الأرض يعني: عليها فوقها، وكما قال الله عن فرعون أنه قال: لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] يعني: على جذوع النخل، فلا منافاة بين قول من قال: في السماء يعني: على السماء، وبين من قال: إنه في العلو؛ لأن السماء المراد به العلو، فالله في العلو، فوق السماوات فوق جميع الخلق، وفوق العرش .
ومن قال: معنى في: على، يعني: أنه فوق السماوات المبنية فوقها، ولا شك أنه فوقها، فوق العرش، فوق جميع الخلق ، فأنت على عقيدة صالحة، وأبشر بالخير، والحمد لله الذي هداك لذلك، ولا تلتفت إلى أقوال المشبهين والملبسين؛ فإنهم في ضلال.
وأنت بحمد الله ومن معك على هذه العقيدة أنتم على الحق في إيمانكم بأن الله في السماء، فوق العرش، فوق جميع الخلق ، وعلمه في كل مكان -جل وعلا-، ولا يشابه الخلق في شيء من صفاته ، وليس في حاجة إلى العرش، ولا إلى السماء، بل هو غني عن كل شيء ، والسماوات مفتقرة إليه، والعرش مفتقر أيضًا، وهو الذي أقام العرش، وهو الذي أقام الكرسي، وهو الذي أقام السماوات، وهو الذي أمسكها ، كما قال : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:25] قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41] فالله الذي أمسك السماوات، وأمسك العرش، وأمسك هذه المخلوقات، فلولا إمساكه لها، وإقامته لها؛ لاندك بعضها على بعض، ولكنه -جل وعلا- هو الذي أقامها وأمسكها حتى يأتي أمر القيامة، فإذا جاء يوم القيامة صار لها حال أخرى.
فهو سبحانه على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وهو العالي فوق جميع خلقه، وصفاته كلها علا، وأسماؤه كلها حسنى، فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام-، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل مع الإيمان بأنه سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ: أين الله
سئل فضيلة الشيخ العلامة بقية السلف صالح بن فوزان الفوزان وفقه الله:
السؤال: دار نقاش بيني وبين زميل لي في المكتب حول وجود الله سبحانه وتعالى في السماء، وهذا الشخص ينفي وجود الله سبحانه وتعالى في السماء وأنا أثبته بدليل قوله تعالى: {أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ...} [سورة الملك: آية 16] الآية، ولحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للجارية قال لها: ” أين الله؟” قالت: في السماء [رواه الإمام مالك في ”الموطأ” من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه]. ما توضيح الصواب وجزاكم الله خير ؟
الإجابة: لا شك أن الله سبحانه وتعالى في السماء، وهذا يعتقده المسلمون وأتباع الرسل قديمًا وحديثًا، فهو محل إجماع لرسالات الله سبحانه وتعالى وعباده المؤمنين أن الله جل وعلا في السماء، وقد تضافرت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة بما يزيد على ألف دليل على علو الله سبحانه وتعالى، وأنه في السماء وأنه استوى على عرشه سبحانه وتعالى كما أخبر الله جل وعلا بذلك، ومن ذلك ما ذكره السائل من قوله تعالى: { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [سورة الملك: الآيتين 16، 17] وحديث الجارية الذي في ”الصحيح” أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها: ” أين الله؟” قالت: في السماء، قال: ” أعتقها فإنها مؤمنة” [رواه الإمام مسلم في ”صحيحه” من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه]
ومعنى كونه في السماء إذا أريد بالسماء العلو فـ(في) للظرفية وهو أن الله جل وعلا في العلو بائن من خلقه سبحانه وتعالى عالٍ على مخلوقاته بائن من خلقه.
وأما إذا أريد بالسماء السماء المبنية وهي السبع الطباق فمعنى (في) هنا: بمعنى على يعني: على السماء كما في قوله تعالى: {سِيرُواْ فِي الأَرْضِ} [سورة الأنعام: آية 11] يعني: على الأرض، وكما في قوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [سورة طه: آية 71] يعني: على جذوع النخل. وعلى كل حال فالآيات المتضافرة والأحاديث المتواترة وإجماع المسلمين وأتباع الرسل على أن الله جل وعلا في السماء أما من نفى ذلك من الجهمية وأفراخهم وتلاميذهم فإن هذا المذهب باطل وإلحاد في أسماء الله، والله جل وعلا يقول: {وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف: آية 180] فالإلحاد في أسماء الله وصفاته جريمة عظيمة، وهذا الذي ينفي كون الله في السماء يكذب القرآن ويكذب السنة ويكذب إجماع المسلمين، فإن كان عالمًا بذلك فإنه يكفر بذلك، أما إذا كان جاهلاً فإنه يبين له فإن أصر بعد البيان فإنه يكون كافرًا، والعياذ بالله.
سئل فضيلة الشيخ الفقيه العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
السؤال:
بارك الله فيكم. هذه رسالة من المستمع عبد الله الفؤاد من بيروت لبنان قال: سمع إجابة عن سؤال في برنامجنا هذا؛ السائل يسأل: أين الله؟ فأجيب بأنه في السماء. واستشهد المجيب على ذلك بآيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾. ولكن يبدو أن هذا الأخ قد استشكل هذه الإجابة ولم تطابق مفهومه الذي كان يعتقده، فأرسل يستفسر حول ذلك، فليتكم توضحون له الحقيقة حول هذا الموضوع.
الجواب: الشيخ: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء كما ذكر الله ذلك عن نفسه في كتابه حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير﴾ وكما شهد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقر الجارية التي سألها أين الله، قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة. وكما أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم في أعظم مجمع من أمته يوم عرفة حين خطب الناس خطبته الشهيرة، فقال: ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس. فهذا دليل من القرآن ومن السنة على أن الله في السماء، وكذلك دليل العقل أن الله في السماء، فإن السماء علو، والعلو صفة كمال، والرب سبحانه وتعالى قد ثبت له صفة الكمال، فكان العلو من كماله تبارك وتعالى، فثبت له ذلك عقلاً. كذلك في الفطرة؛ فإن الناس مفطورون بأن الله تعالى في السماء، ولهذا يجد الإنسان من قلبه ضرورة لطلب العلو حينما يسأل الله شيئاً، حينما يقول: يا رب. لا يجد في قلبه التفات يميناً ولا يساراً ولا أسفل، وإنما يتجه قلبه إلى العلو بمقتضى الفطرة التي سلمت من إشكال الشياطين. وما من أحد يصلي فيقول في سجوده سبحان ربي الأعلى إلا وهو يشعر بأن الله تعالى في السماء. وقد انعقد إجماع السلف على ذلك كما ذكر الأوزاعي وغيره. وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة كل هذه الأدلة قد تطابقت على أن الله تعالى في السماء، وأنه جل وعلا عالٍ بذاته كما أنه عالٍ بصفاته. ولكن يجب أن يعلم أن كونه في السماء لا يعني أن السماء تظله، وأنها محيطة به؛ فإن الله تعالى أعظم من أن يظله شيء من خلقه وهو سبحانه وتعالى غني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويسمك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فلا يمكن أن تظله السماء. وعلى هذا فيزول المحظور الذي أظن أنه قد شبه على هذا السائل بأنه إذا قلنا بأن الله في السماء لزم أن تكون السماء مظلة له عز وجل، وليس الأمر كذلك، فإن قال قائل: قوله في السماء قد يفهم أن السماء تحيط به؛ لأن في للظرفيه، والمظروف يكون الظرف محيطاً به. فالجواب أن ذلك ليس بصحيح؛ لأن السماء بمعنى العلو، وأن السماء بمعنى العلو قد ورد في القرآن كما في قوله تعالى: ﴿أنزل من السماء ماء﴾ والسماء ينزل منه السحاب، والسحاب مسخر بين السماء والأرض، فيكون معنى قوله (أنزل من السماء) أي أنزل من العلو؟ ويكون معنى قوله (أمنتم من في السماء) أي: من في العلو. وهناك وجه آخر بأن نجعل في بمعنى على، ونجعل السماء هي السماء لسقف محذوف، ويكون معنى (من في السماء) أي: من على السماء. وإذا كان عالياً عليها فلا يلزمها أن تكون محيطة به، ولا يمكن أن تكون محيطة به. وفي تأتي بمعنى على كما في قوله تعالى: ﴿لنفسد في الأرض﴾ أي: على الأرض، وكما في قوله تعالى عن فرعون: ﴿ولأصلبنكم في جذوع النخل﴾ أي على جذوع النخل. كل هذا يزول الإشكال والوهم الذي قد يعتري من لم يتدبر دلالة الكتاب والسنة في هذه المسألة العظيمة. ولا ريب أن من أنكر أن الله في السماء فهو مكذب بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين وإجماع السلف، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يتدبر دلالة الكتاب والسنة على وجه مجرد عن الهوى ومجرد عن التقليد حتى يتبين له الحق ويعرف أن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يشرك به شيء من مخلوقاته. أما قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) فإن الاستواء بمعنى العلو كما في قوله تعالى: ﴿لتستووا على ظهورها ثم تذكروا نعمة ربكم﴾ أي: تعلو عليها، وكما في قوله تعالى: ﴿فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك﴾ أي: علوت. فالاستواء في اللغة العربية بمعنى العلو، ولا يرد بمعنى الاستيلاء والملك أبداً، ولو كان هذا صحيحاً لبينه الله عز وجل في القرآن ولو في موضع واحد. والاستواء والعرش ذكر في القرآن في سبعة مواضع، ما فيها موضع واحد عبر عنه بالاستيلاء أبداً، ولو كان بمعنى الاستيلاء لعبر عنه في بعض المواضع حتى يحمل الباقي عليه، وإن لم يكن بينت السنة وليست هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدل على أن الاستواء -أي أن استواء الله على عرشه- بمعنى استوائه عليه، وليس في كلام السلف الصالح والأئمة على أن استواء الله عليه -استوى الله على العرش- بمعنى استيلائه عليه، والمعروف عنهم أنه بمعنى العلو والاستقرار والارتفاع والصعود، هكذا نقل عن السلف، وعلى هذا فيكون المعنى الصحيح على قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ وما أشبهها من الآيات؛ أي: الرحمن على العرش علا علواً خاصاً يليق بجلاله تبارك وتعالى، ولا يستلزم ذلك أن يكون الله تعالى محتاجاً إلى العرش، بل إنه لا يخفى لذلك أيضاً، فإنه قد علم أن الله تعالى غني عما سواه، وأن كل ما سواه محتاج إليه، فنرجو من الأخ السامع للجواب الأول أن يضيف إليه أيضاً هذا الجواب حتى يتبين له الحق وأن يجرد نفسه قبل كل شيء من التقليد حتى يكون قلبه سليماً على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
https://binothaimeen.net/content/Download/7929