كتاب الأدب المفرد
فوائد عن كتاب الأدب المفرد مأخوذة من شرح الأدب المفرد للشيخ د. خالد الردادي بتصرف ، من الدرس الأول ، ولم يراجعه الشيخ
أولًا
اسم الكتاب: الأدب المفرد هكذا طبع الكتاب بهذا العنوان.
هل سمى البخاري كتابه بهذا الاسم أم لا…؟
ان الإمام البخاري قد ضَمَّن صحيحه كتابا للأدب وهو الكتاب الثامن والسبعون من الصحيح لكنه لم يكتفي بذلك فقد أفرد للأدب كتابًا غير الكتاب الذي أورده في صحيح البخاري.
ويبدو أن كتاب الأدب هو اسمه هكذا بدون كلمة المفرد كتاب الأدب وقد سماه بهذا الاسم أول من رأيته سماه بهذا “الخطيب البغدادي” وقد سبق وأشرنا أن له عناية بترجمة البخاري، سماه كتاب الأدب ولم يذكر كلمة المفرد.
وكذلك الحافظ الذهبي تبع الخطيب البغدادي وسماه بهذه التسمية وغيرهم.
فلفظة المفرد تكون وصفًا للكتاب لا اسمه أريد بها التمييز عن كتاب الأدب في جامعه الصحيح فيكون اسم الكتاب الأدب فقط والمفرد إنما هو وصف له،…. وما طُبِع هنا خطأ لأن المفرد هو وصف.
ننتقل للمسألة الثانية المتعلقة بكتاب الأدب المفرد
منزلة كتابه ومنهجه المفيد:
لا ريب أن هذا الكتاب من كتب الحديث المهمة لعظم مكانة مؤلفه وهو الإمام الكبير والحافظ النحرير البخاري.
وموضوع الكتاب وهو في الآداب والآداب الشرعية، لذلك قال الحافظ ابن حجر كتاب الأدب المفرد يشتمل على أحاديث زائدة على ما في الصحيح وفيه قليل من الآثار الموقوفة وهو كثير الفائدة والأدب اهـ.
وقال العَلَّامة المعلمي -رحمه الله- في تقديمه (لكتاب فضل الله الصمد) في شرح الأدب المفرد
قال من أبسط مجموعات كتب السنة في الأدب النبوي (كتاب الأدب المفرد) للإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله….
وكتابه هذا هو بعد كتابه “الجامع الصحيح” أولى كتبه بأن يعتنى به من يريد إتباع السنة مع التحري والتوقي والتنبيه على القواعد.
قال الشيخ عبد السلام المباركفوري: وهذا كتاب يعلم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه والحق أن الإنسان يصبح إنسانا بهذا الكتاب وخاصة في أيامنا هذا حينما تكاد الحضارة الاسلامية المتبقية أن تنجرف وراء التيار الأوروبي المتحلل حتى إن المثقف بثقافة الاوروبية يتخلى عن التأدب مع أبويه واحترامهما اتباعا لشهواته واهواءه والناس بأمس الحاجة إلى مطالعة هذا الكتاب اهـ. وهو كلام قيم.
أما عن منهجه وشروطه فيه:
جمع الإمام البخاري في هذا الكتاب أغلب الآداب التي أمر النبي -ﷺ- بها منها ما هو واجب ومنها ما هو دون ذلك وأيضًا في كتابه بين الأمور المنهي عنها مثل كثرة الضحك والكذب والشبع دون الجار إلى غير ذلك.
وهو لا يُقَسِّم كتابه هذا إلى عدة كتب ثم إلى أبواب كما يفعل في الصحيح، هو قال كتاب الأدب وما تحتها كلها أبواب وكل باب يندرج تحته عدة أحاديث.
وأحيانا يفعل الإمام مثلما يفعل في الصحيح مثلًا أنه يضع الحديث في أكثر من موضع، ويذكر أيضا في كتابه الأحاديث المرفوعة ويعتني بها وقد يذكر بعض الموقوفات عن الصحابة وإن نزل فينزل عن الرواية في كبار التابعين لذلك يندر ذكرهم في كتابه عن المقاطيع.
المقاطيع هي أقوال وأفعال التابعين ومن بعدهم
كذلك يترجم أبواب كل باب يورد تحته أحاديث هذا الباب يترجم له والترجمة هي عنوان الباب وهي تدل على ما تضمنه الباب من أحاديث تحته والتراجم عنده في كتابه الأدب المفرد ليس مثل في كتابه الجامع الصحيح.
التراجم في كتاب الأدب الصحيح تراجم ظاهرة
حيث أن التراجم تنقسم إلى ثلاثة أقسام؛ تراجم ظاهرة وتراجم خفية وتراجم مرسلة.
فنجد أن البخاري في كتابه الأدب المفرد يكثر من التراجم الظاهرة فلا يوجد فيه تراجم خفية إلا قليل وأيضًا التراجم المرسلة قليل.
التراجم الظاهرة عنده نوعين أو على ثلاثة أنواع
الطريقة الأولى: أن تكون الترجمة مطابقة لما تضمنه الباب في ترجمة للحديث مطابقة جزئية، عندنا مثال في الحديث السابع عشر.
قال رحمه الله تعالى باب “لعن اللَّهُ مَنْ لَعَنَ والديه”
عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ: هَلْ خَصَّكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَخُصَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً؟ قَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَخُصَّ بِهِ النَّاسَ؛ إِلَّا مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي، ثُمَّ أَخْرَجَ صَحِيفَةً، فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: “لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا”
ففي هذا النوع مطابقة جزئية.
النوع الثاني ترجمة كاملة مثال حديث باب “من لا يرحم” فيه مطابقة كاملة فترجمة الباب هي ترجمة الحديث.
النوع الثالث تكون ترجمة الباب مأخوذة مما يدل عليه الحديث وهذا أكثر منه الإمام البخاري انظر الحديث العاشر
قال رحمه الله تعالى باب “جزاء الوالدين”
أخذ ترجمة الباب من معنى الحديث وما يتضمنه الحديث من معاني.
أما الترجمة المرسلة فعددها قليل جدًا أربعة أبواب فقط فيقول باب ويسكت ويكمل الحديث.
عدد أبواب هذا الكتاب كثيرة ستمائة وأربعة وأربعين بابًا مقارنة بعدد الأحاديث عددها ١٣٢٢ حديث.
……..
كثرة الأبواب تدل على أمرين:
الأمر الأول على فقه الإمام البخاري وأنه يأخذ الأحاديث ويعنون لها حسب الفقه الذي يرتضيه
والأمر الثاني تدل على جودة انتقاء الإمام للأحاديث ويضطر لهذا الانتقاء أن يُبَوِّب لها،
كذلك الإمام البخاري يحرص في الباب الواحد على أن يخرج الأحاديث الصحيحة وإن لم يجد أخرج بعض الأحاديث الصحيحة التي يرى أن رواتها لم يجبر على ضعفهم وربما أخرج الصحيح الضعيف وأعقبه بحديث ضعيف للتأكيد عليه وقد يكرر الحديث في أكثر من باب ولكنه لا يفعل ذلك إلا لنكتة في الإسناد والمتن فهذا فعله في كتابه الصحيح وكتاب الأدب المفرد.
عناية العلماء بكتاب الأدب المفرد للبخاري:
روى الكتاب عن مصنفه تلميذه أبو الخير أحمد بن محمد ابن الجليل، وقد تجد اسمه في بعض الكتب ابن الخليل وهذا خطأ،
مع الأسف الشديد كتب السنة تطبع وتتداول وتتناقل وتتكرر طباعتها لكنها لا يذكر على غلافه راوي الكتاب لابد من ذكر راوي الكتاب على الغلاف لتوثيق الكتاب ومعرفته، أما نسخ الكتاب الخطية فالعديد منها نادر لا يوجد من هذه النسخ إلا في القرن الحادي عشر، وهذه النسخ متأخرة ولا عيب فيها والعيب إذا كانت منقولة من أصل غير صحيح وغير محكوم وبعض هذه النسخ منقولة من نسخ مميزة.
وقد ذكر صاحب كتاب الفهرس الشامل تسعة عشرة نسخة خطية للكتاب في خزائن المكتبات وذكر أين هي موجودة.
والكتاب طبع آخر طبعة له على عشرة نسخ خطية. إذا أين باقي النسخ التسع الباقيات وهي موجودة أكيد.
فالحديث عنه يطول وحسبنا من القلادة بما حاط العنق كما قيل.
..طبع طبعة قديمة وهي طبعة تركية عام ١٣٠٤ من الهجرة في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وهذه الطبعة نادرة الوجود وتغني عنها طبعة مكتبة الآداب المصرية التي طبعت عام ١٤٠٠ وهي اعتمدت على الطبعة الهندية العتيقة والطبعة التركية.
والطبعة التركية ميزتها أنها اعتمدوا في ذلك الوقت على ثلاث نسخ خطية.
ثم طُبِع بعد ذلك عدة طبعات منها طبعة جيدة طبعها الشيخ فضل الله الجيلاني التي اعتمدها في شرحه الأدب المفرد قال بأنه اعتمد على طبعتين سابقين التركية والهندية.
وكذلك أضاف إليه أربع نسخ خطية وهذه النسخ كلها من الهند وهي جيدة نوعًا ما إن كان فيها بعض الأخطاء والخلل لكنها تكون طبعة مميزة في ذلك الوقت.
ثم طبع بعد ذلك محب الدين الخطيب بعناية محمد فؤاد عبد الباقي بترقيمها لها، وهي المعروفة بـ الطبعة السلفية وهي نسخة غير مخدومة على النسخ الخطية وعلى طبعات سابقة ولذلك وقع فيها كثير من الأخطاء.
ثم طبع بعد ذلك بعناية العلامة الألباني -رحمه الله- وقسمه صحيح وضعيف عام ١٤18 من الهجرة، واعتمد على طبعة محمد فؤاد عبد الباقي على ما فيها من أخطاء والأخطاء تكررت فيه.
يبدوا أن الشيخ كان جهده فقط في الحكم على أحاديث الكتاب
ثم طبعة المعارف بعناية سمير الزهيري بعدها بسنة عام ١٤19 واعتمد على نسختين خطيتين وقد كانت في وقتها تعتبر طبعة مميزة ولكنها للأسف لم تخدم خدمة جيدة.
ثم طبع بعد ذلك طبع قيمة وهي طبعة مكتبة الخانجي عام ١٤٢٣ هجرية، على خمس نسخ خطية وهي جيدة بالجملة وفيها أخطاء.
ثم طبع طبعة تعد حتى الآن من أفضل الطبعات وهي هذه الطبعة بتحقيق علي عبد المقصود رمضان قابلها على عشرة نسخ خطية وفيها بعض العيوب سيأتي الإشارة إليها عند شرحنا للكتاب ولكنها حتى الآن هي أفضل الطبعات الموجودة.
شروح كتاب الأدب المفرد
أما شروح الكتاب فقد قام ليس للكتاب شروح كثيرة قام بشرحه الشيخ فضل الله الجيلاني رحمه الله في (كتابه فضل الله الصمد) في توضيح الأدب المفرد وهو شرح نافع ضمنه الكثير من الفوائد والفرائد، وطبع في مجلدين قديمًا ويتميز الشرح بتعليقات مفيدة بالسند والمتن ولكن يؤخذ عليه كما قلنا وترك بعض الأحاديث دون شرح أو بيان.
ومن شروح الكتاب (كتاب رشِّ البرد) شرح الأدب المفرد للدكتور محمد لقمان السلفي طبع في الرياض، وقد شرح فيه جميع أحاديث الكتاب وهو أشبه بتعليقات من رؤوس القلم أشبه بالحاشية شرح لمفردات المتن وذكر بعض الفوائد العامة، ولم يتطرق إلى تخريج الأحاديث وبيان إشكالات الأسانيد والمتون ودراسة للحديث والصناعة والعناية بها مع وجود بعض من الأخطاء في الشرح والتأويلات العقدية
من الشروح أيضًا شرح صحيح الأدب المفرد للشيخ حسين العوايشة وطبع في ثلاثة مجلدات واقتصر على شرح الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني رحمه الله في تقسيمه للكتاب وهو شرح مطول مفيد بالجملة يكثر الشارح من المتون ويؤخذ عليه تركه عددا من أحاديث الكتاب تبع الشيخ الألباني في تضعيفها فلم يشرحها…..
كذلك في الكتاب أخطاء في المتن لأنه اعتمد على الطبعة السلفية كذلك عدم التزامه بالمنهج العلمي أحيانًا ينقل بواسطة ولا يرجع إليه
وهناك شروح أخرى أغلبها مفرغة من دروس صوتية لبعض المشايخ وطلبة العلم، … وهناك بعض الدراسات التربوية حول كتاب الأدب المفرد.
هذا بالنسبة لما يتعلق بعناية العلماء وطلبة العلم والباحثين لكتاب الأدب المفرد.
ولعلنا نكتفي بهذا القدر في هذا الدرس.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والهدى والرشاد، وأن ينفعنا بما سمعنا وأن يجعلنا من عباده الصالحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
كما يمكنك الاطلاع على: فصول في الآداب لأبي الوفاء شرح الشيخ عبد الإله