بَاب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنْ الْإِيمَانِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ مَنْ الْقَوْمُ أَوْ مَنْ الْوَفْدُ قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ وَقَالَ احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ.
الشرح:
شاهد الترجمة في قوله – صلى الله عليه وسلم – ((وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ)) وقد تضمن الحديث فوائد عدة هي فقه في العبادة والمعاملة فقه عظيم:
أولاً: ملاطفة الضيف بما يؤانسه ويجعله يطمئن إلى مضيفه ، وهذا صريح فعل النبي- صلى الله عليه وسلم – مع القوم ، من القوم؟ فلما أخبروه قال مرحبا بالقوم لا خزايا ولا ندامى فالضيف بقدر ما تُلقي عليهم من التحايا التراحيب المستعملة شرعاً وعرفا ؛ بقدر ما تدخل عليه السرور والأنس.
ثانياً: القوم حريصون ، حرص القوم على العلم والفقه في دين الله ، وأن يتزودوا من ذلك ، لكن لهم عذر يمنعهم من التردد على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قالوا ما سمعتم، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فلا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام ، يعني الشهر الحرام.. إلى آخر ما قالوا ، فسألوه – صلى الله عليه وسلم – أن يبين لهم مختصراً من دين الله يحفظونه ويخبرون به من ورائهم ويدخلون به الجنة ، فالقوم مُتقرر عندهم أن الفقه في دين الله _ وهو علم الشرع إذا أطلق _ سبب في دخول الجنة ؛ سبب في سعادة المرء في دنياه وآخرته.
الفائدة الثالثة: تفسير النبي – صلى الله عليه وسلم – الإيمان بالأقوال والأعمال الظاهرة، وهذا دليل على أن الإيمان والإسلام إذا افترقتا شملت أحداهما الأخرى ، ألم تسمعوا إليه- صلى الله عليه وسلم – يقول: ((أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ))، وهذا يدل على أن القوم مسلمون ، ففسر لهم الإيمان بالأقوال والأعمال الظاهرة.
الفائدة الرابعة: في ذكر أربعة أمور بينما المذكور في الحديث خمس ؛الشهادتان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأداء الخمس ، فكيف هذا؟ أجاب أهل العلم قالوا: ” القوم مسلمون وهذا يقتضي أنهم شهدوا شهادة الإسلام” ، نعم لا يمكن الدخول في الإسلام من غير المسلمين إلا بالشهادتين ، فعلمهم أربعاً عدا الشهادتين وهما إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأداء الخمس.
الفائدة الخامسة: لما لم يذكر الحج؟ والظاهر أنهم في سنة الوفود ، هذا فيما يظهر والعلم عند الله أنه لما ذكروا عدم قدرتهم على المجيء إليه فَهِم أنهم لا يقدرون على الحج لبعد الشُقة ولوجود الكفار ، وهذا عندي أوجَه من قول من قال أن الحج لم يُفرض بعد والله أعلم.
المصدر
الدرس الخامس من شرح صحيح البخاري