خطبة عن مفسدات الصيام
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين جعل صيام رمضان أحد أركان الإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نادى عباده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ) [البقرة:183]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمة الإسلام. إن الله سبحانه وتعالى فرض صيام شهر رمضان على هذه الأمة وجعله أحد أركان الإسلام، فصيام رمضان فريضة على كل مسلم، بالغ، عاقل، فريضةٌ على كل مسلم، بالغ، عاقل، من أول الشهر إلى آخره، (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:184]، والناس لهم حالات عند شهر رمضان، فالصحيح المقيم يجب عليه صيام رمضان أداءً كل يوم، وأما المريض الذي يشق عليه الصيام أو يحتاج إلى الإفطار فإنه يفطر ويقضي من أيام أخر، وكذلك المسافر الذي يباح له القصر وهو من تبلغ مسافة سفره ثمانين كيلا فأكثر فإنه يفطر ويقضي من أيام أخر لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:184]، وأما من لا يطيق الصيام لهرم أو كبر أو مرض مزمن لا يستطيع معه الصيام ولا يقدر على القضاء في المستقبل فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) [البقرة:184]، فهذه أحوال الناس مع الصيام، والصيام لغة معناه الإمساك، وأما في الشرع فالصيام هو الإمساك بنيةٍ عن المفطرات الحسية والمعنوية من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة:187]، ولا بد من النية في جميع النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، تكون النية معه دائماً، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل وفي رواية: لمن لم يُجمع النية قبل طلوع الفجر ، فلا بد من النية في الصيام، فلو أنه أمسك عن الطعام والشراب و المفطرات من غير نيةٍ فإنه لا يسمى صائماً شرعاً، واعلموا رحمكم الله أن الصيام له مبطلات يجب على الصائم أن يتجنبها، أولاً: ما يدخل إلى الجوف من أي موضع كان، ما يُدخل إلى الجوف من أي موضع كان فإنه يفطر الصائم وذلك كالأكل والشرب متعمداً، أما من نسي وأكل أو شرب فإن صيامه باقٍ وهو معذور، لقوله صلى الله عليه وسلم: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ، ومنها تناول الأدوية التي يبتلعها الصائم أو تحقن فيه وتصل إلى الجوف مثل الحبوب والسوائل والمحاليل الطبية التي تصل إلى جوفه فإنه بذلك يبطل صيامه، وكذلك الإبر المغذية تبطل الصيام لأنها بمعنى الطعام والشراب، أو الإبر التي تؤخذ عن طريق الوريد لأنها تختلط بالدم وتسير في الجسم فهي أيضاً تفطر الصائم، أما الإبر التي تؤخذ تحت الجلد أو تؤخذ تحت العضل فهذه لا تؤثر على الصيام، وكذلك من المفطرات ما يُستخرج من المعدة وذلك كالاستفراغ عن طريق الفم بأن يستفرغ الصائم ما في معدته عن طريق الفم، فإذا استفرغ فإنه يبطل صيامه، أما إذا غلبه القيء والاستفراغ وليس له اختيار في ذلك فهذا لا يؤثر على صيامه، وكذلك من المفطرات إنزال المني بجماع أو بعادة سرية أو بنظر، تكرار نظر، يكرر النظر إلى النساء فيحصل منه الإنزال لأن هذا نوع من الجماع الذي هو استفراغ الشهوة بسبب من قِبل العبد، استفرغها بسبب من قِبله فتُبطل صيامه، لأن مما يصام عنه الشهوة، قال الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، فكما أنه يترك الطعام والشراب فكذلك يترك استفراغ الشهوة لأنها من المفطرات التي تُبطل الصيام، وكذلك من مفسدات الصيام الحجامة وهي سحب الدم بقصد العلاج لأنها تُضعف الصائم وتخرج قوّته، قال صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم ، ومثل الحجامة سحب الدم بالطرق الطبية لإسعاف مريض أو للتبرع به فإن هذا يبطل الصيام لأنه مثل الحجامة، يُستخرج به دم كثير، أما الدم اليسير كالذي يُستخرج للتحليل وهي يسيرة فهذه لا تؤثر على الصيام، وكذلك من مبطلات الصيام ما يصيب النساء من دم الحيض فإنه أيضاً يُضعف المرأة، يُضعف قوتها فلذلك منعها الله من الصيام وأوجب عليه القضاء (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:184]، وأما الإستحاضة وهي دم النزيف الذي يخرج من المرأة في غير مواعيده فإنه لا يؤثر على الصيام فالمستحاضة تصوم لأنها في حكم الطاهرات، كذلك لو انجرح الإنسان وسال منه دم فإنه لا يؤثر على صيامه لأنه بغير اختياره، فحافظوا على صيامكم رحمكم الله من سائر المفطرات، وكذلك مما يجب على الصائم استصحاب النية كما ذكرنا فلو نوى الصائم الإفطار بطل صيامه ولو لم يتناول شيئاً، إذا نوى الإفطار في صيام الفرض فإنه يبطل صيامه لقطعه النية وحتى لو لم يأكل ويشرب، فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على صيامكم من المفسدات والمنقصات، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:183-185]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد عباد الله اتقوا الله تعالى، ومن المفطرات أيضاً ما يُستعمل لغسيل الكلى، أو يُستعمل لغسيل المعدة من المحاليل التي تُدخل إلى الجوف وتُسحب منه فإنها أيضاً تفطر الصائم، وكذلك يتجنب الصائم الغيبة والنميمة والسباب والشتم وقول الزور ويحفظ لسانه عن كل ما يجرح صيامه، فليس الصيام مجرد ترك الطعام والشراب وترك المباحات ولكنه مع ذلك ترك المحرمات التي يجب تركها في كل الأوقات وفي حق الصائم آكد، لأنها تجرح صيامه، وتنقّص ثوابه أو تذهب بأجره فيكون حظه من صيامه الجوع والعطش وليس له فيه أجر بسبب أنه لم يحفظ لسانه عن هذه الأمور، وكذلك يحفظ سمعه فلا يستمع إلى المعازف والمزامير، ولا يستمع للغيبة والنميمة، ولا يستمع إلى ما يلهيه عن ذكر الله عز وجل مما يبث ويُنشر في وسائل الإعلام كالمسلسلات الهابطة والساخرة فلا يضيّع وقته معها ويبطل صيامه بها فإنه آثم بذلك، كذلك يحفظ بصره ويغضه عما حرّم الله من الصور الفاتنة والمشاهد الفاتنة في الشاشات والفضائيات التي تعرض النساء العاريات أو شبه العاريات، عليه أن يحفظ بصره عما يجرح صيامه، فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على صيامكم من كل مُوهن ومن كل مفسد، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناًً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واصرف عنا كيده، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ لنا ديننا الذي به عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها، اللهم أصلح ولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ادفع عنا من البلاء ما لا يدفعه سواك، نعوذ بك من فجأة نقمتك ومن تحول عافيتك ومن جميع سخطك لا إله إلا أنت أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نِعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 05-09-1432هـ – صالح الفوزان