وردت عدة نصوص في الترغيب في القيام مطلقًا. كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [سورة الفرقان:64] وغيرها. ونصوص تؤكد قيام رمضان, وخاصة ليلة القدر كحديث “الصحيحين”: ((من قام رمصان إيمانًا واحتسابًا, غُفر له ما تقدم من ذنبه))[البخاري 1/113]. وفي حديث آخر: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا, غفر له ما تقدم من ذنبه))[مسلم: 523/1].
وثبتت نصوص أخرى تبين عدة صفات إذا اتصف بها قيام الليل عُظم أجره وكبر فضله وإن خلا عن بعضها أو عنها كلها لم يمنع ذلك من حصول أصل قيام الليل فلنسمها مكملات وهي:
- أن يكون تهجدًا أي بعد النوم؛ ومن أدلة ذلك حديث “الصحيحين” وغيرهما عن عبدالله بن عمرو مرفوعًا وفيه: ((وأحب الصلاة إلى تعالى صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل ويقوم ثُلثُه, وينام رُبعه)) [البخاري 3/20].
وفي “صحيح مسلم” عن جابر مرفوعًا: (( من خاف أن لا يقوم من أخر الليل فليوتر أوله ثم لِيرقُد, ومن طمع أن يقوم من آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودةٌ محضورة وذلك أفضل)) [أخرجه مسلم: 1/520].
- أن يكون بعد نصف الليل, ومن أدلته ما تقدم.
- أن يستغرق ثلث الليل, ومن أدلته حديث عبدالله بن عمرو المتقدم, وقد قال الله -عز وجل- في آخر سورة المزمل: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَمِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] يريد به ما تيسر من قيام الليل.
- أن يُكثر فيه من قراءة القرآن, وهو من لازم الثالث لما عرف من نظام الصلاة.
- أن يكون مثنى مثنى, ثم يوتر بركعة هذا هو الأكثر من فعل النبي-صلى الله عليه وسلم- سأله عن قيام الليل وقد ثبت عنه-صلى الله عليه وسلم- صور أخرى منها: ((مثنى مثنى, ويوتر بثلاث)).
- أن لا يزيد عن إحدى عشر ركعة كما ثبت من حديث عائشة في “الصحيحين” وغيرهما, قالت: ((ما كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة..)) [أخرجه البخاري:3/40]. أجابت بهذا من سألها عن صلاة النبي-صلى الله عليه وسلم-
في الليل في رمضان, وذلك صريح في أن المشروع في قيام رمضان هو المشروع في غيره إلا أنه آكد فيه.
وقد جاء عنها أنه: ((صلى في بعض الليالي ثلاث عشرة ركعة)) [أخرجه البخاري:3/26].
وفي المستدرك وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: ((لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب ولكن اوتروا بخمس أو سبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك)).
والمراد -والله أعلم- بالوتر في هذا الحديث قيام الليل كأنه كره الاقتصار على ثلاث, وأمر بالزيادة عليها, وأكثر ما جمع النبي-صلى الله عليه وسلم- بينه بتكبيرة واحدة تسع ركعات, فهو والله أعلم أكثر الوتر الحقيقي. فأما الوتر بمعنى قيام الليل المشتمل على الوتر فلا مانع من الزيادة فيه والأفضل ما تقدم.
- أن يكون فرادى كما الغالب من فعل النبي-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه, وهو كاللازم للأمر الآتي: ومع ذلك فقد ثبت عن ابن عباس اقتداؤه بالنبي- صلى الله عليه وسلم- في بعض قيام الليل, وكذلك عن ابن عباس لمَّا بات في بيت النبي-صلى الله عليه وسلم- وسيأتي ما يشهد لذلك.
- أن يكون في البيت ومن أدلته حديث “الصحيحين” وغيرهما عن زيد بن ثابت قال: ((احتجر رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حُجَيرةً بِخَفصَة أو حَصير فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها. قال فتَتَبَع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته, قال: ثم جاءوا ليلة فَحضَروا وأبطأ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عنهم, قال فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحَصبُوا الباب فخرج إليهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-مُغضبًا. فقال لهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ما زال بكم صنيعكم حتى ظننتُ أنه سيُكتب عليكم, فعليكم بالصلاة في بِيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)).
هذا لفظ مسلم في الصلاة, باب “استحباب صلاة النافلة في البيت” ونحوه للبخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب: “ما يجوز من الغضب”.
والحديث وارد في قيام رمضان كما يأتي وذلك قاضٍ بشمول الحكم له نصًا فلا يقبل أن يخرج منه بتخصيص وذكر مسلم رواية أخرى قال في متنها: ((أن النبي-صلى الله عليه وسلم- اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس)) فذكر نحوه, وزاد فيه ((ولو كتب عليكم ما قمتم به)).
وهذه الرواية في “صحيح البخاري” في كتاب الاعتصام “باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى: { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [سورة المائدة: 101].
وفيها بعد قوله: ((ليالي حتى اجتمع إليه ناس ففقدوا صوته ليلة فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم.
فقال: ((مازال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم ما قمتم به, فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).
قيام رمضان للشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلمي
-رحمه الله تعالى- [19-27].