[ معنى الشهوة الخفية ]
هنا يبين -رحمه الله تعالى- [أي ابن تيمية] أن من أعظم ما يضل العباد قال- الشهوة الخفية، والشهوة الخفية يدخل فيها جملة من الأمور التي تصرف عن طاعة الله -سبحانه وتعالى-، فسرها أبو داود السجستاني هنا بقوله لما قيل ما الشهوة الخفية ؟ قال: حب الرئاسة.
ولا شك أن حب الرئاسة من أعظم ما يضل الانسان عن الحق وعن الثبات عليه، فالرهبان والنصارى ما ضلهم ثبتوا على ضلال وإن كانوا يعرفون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- محمدٌ حق، إلا حبهم للرئاسة والجاه والمال، وما ضل من ضل من أهل الأحزاب وغيرهم إلا طمعهم في الرئاسة وطمعهم في الحكم، فتركوا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتركوا ما ورد عن السلف الصالح في قضية العقائد ومعاملة الناس ومعاملة الحكام وغيرها، وسبب هذا الأمر الذي هو حب الرئاسة الذي ولّد على كثير من الناس الانحراف من أهل البدع من أهل الاحزاب السياسية وغيرهم، كذلك من اليهود والنصارى وغيرهم ممن يريد الرئاسة من كبارهم وقساوستهم يريدون الرئاسة كما قال الله -عز وجل- عن فرعون وقومه: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} يريدون العلو يريدون حب الرئاسة.
والشهوة الخفية في هذا الحديث حديث شداد بن أوس أن النبي -ﷺ- قال: « يا بغايا العرب يا بغايا العرب» . وهذا محرف والصواب في اللفظ «يا نعايا العرب يا نعايا العرب» وليس يا بغايا، يا نعايا العرب يا نعايا العرب، والمقصود بنعايا العرب: النعايا من الناعي الذي يأتي بخبر الموت، يعني كأنه يقول أريد بذلك أن ننعوهم، لأنهم هلكوا يعني يا هلاك العرب يا هلاك العرب، هلاكهم من ماذا؟ أخوف ما أخاف من الرياء والشهوة الخفية، يكون المعنى أن الرياء والشهوة الخفية من أسباب هلاك العرب، والشهوة الخفية أعم وأوسع من قضية حب الرئاسة، يدخل فيها كل ما يصرف الإنسان عن طاعة الله -عز وجل- ويدخل فيها الرياء ويدخل فيها غيره، لذلك أبو عبيد -رحمه الله تعالى- قال في غريب الحديث: ((الشهوة الخفية قد أختلف الناس فيها فذهب بعضهم الى شهوة النساء وغير ذلك من الشهوات -يقول- وهو عندي ليس مخصوص بشيئ واحد لكنه كل في شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصر عليه)) كل معصية يصر عليها الإنسان ويضمرها ويخفيها تسمى شهوة خفية، ولكنه في كل شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصر عليه، قال: ((وإنما هو الإصرار وإن لم يعلمه)).
شرح رسالة في التوبة – الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري.